قرار الأونروا بالترفيع الآلي لعام 2016-2017 هل يحقق مصلحة الطلاب؟

بعد إعلان المفوض العام للأونروا  السيد بيير كرينبول في 15/5/2015عن وجود عجز مالي في الموازنة العامة للأونروا قيمته 101 مليون دولار، وإنها ستضطر لاتخاذ خطوات تقشفية  في شتى مجالات خدماتها كي تتمكن من تقديم الحد الأدنى من الخدمات وخصوصاً خدمات التعليم حيث هدد يومها بأن الأونروا ستضطر إلى تأجيل العام الدراسي حتى 1/1/2016 أو حتى إلغاء العام الدراسي إن لم تحصل الأونروا على ما تحتاجه من تمويل، بل ذهب أبعد من ذلك من خلال إعطاء أي موظف إجازة بدون مرتب، والذي تراجع عنه لاحقاً تحت ضغط اتحاد الموظفين واحتجاجات اللاجئين في الشارع.

منذ ذلك الوقت والأونروا تتخذ خطوات متسارعة في تقليص الخدمات ولا سيما في قسم التعليم، حيث قررت وضع 50 طالبا في الغرفة الصفية الواحدة منذ مطلع العام الدراسي 2015/2016 وكذلك العام 2016/ 2017.

ورغم ظهور مشاكل متعددة  في المدارس بسبب الاكتظاظ في الغرف الصفية والذي ترواح متوسط عدد الطلاب في كل غرفة بين 40 وصولاً إلى 50طالبا في الكثير من المدارس وقد تكون الأعداد أقل من ذلك في المدارس التي تقع في التجمعات أو المناطق البعيدة جغرافيا (تجمعات منطقة صور وتجمعات البقاع)  بسبب قلة كثافة اللاجئين فيها، إلا أن معظم مدارس الأونروا مكتظة كمدارس مخيم عين الحلوة ومخيم  نهر البارد. أدّت هذه السياسة إلى:

1.  ثمة مؤشرات عامة على تدني نسب النجاح في جميع المراحل التعليمية سواء في الامتحانات الشهرية أو امتحانات نصف العام وصولاً إلى امتحانات آخر العام.

 

2.     ضعف قدرة المدرسين على ضبط سلوكيات الطلاب في الصفوف.

 

ورغم النتائج السلبية  لقرار تشكيل الصفوف class formation))  فإن وكالة  الأونروا  لا زالت تصرعلى إعادة تشكيل الصفوف للعام الدارسي الجديد 2017/2018  على أساس47- 50 طالباً في الغرفة الصفية الواحدة.

 

 

 

سياسة الترفيع الآلي automatic upgrading

في نهاية أيار2017 اتخذت وكالة الأونروا قرارا [1]   اعتبره خبراء ومختصون أنه يشكل  خطورة على مستوى التحصيل العلمي.   مضمون هذا القرار هو تخفيض نسبة الرسوب في المراحل الإبتدائية والمتوسطة والثانوية كالتالي:

·        الصفوف: الأول والثاني والثالث: لا رسوب

·        الصفوف الرابع والخامس والسادس: نسبة الرسوب يجب ألا تتعدى 5%.

·        الصفوف السابع والثامن: نسبة الرسوب يجب ألا تتعدى 10%.

·        الصف التاسع: يعتمد على نتائج الامتحانات الرسمية.

·        الصف العاشر نسبة الرسوب يجب ألا تتعدى نسبة 10%.

·        الصف الحادي عشر: نسبة الرسوب يجب ألا تتعدى 5%.

·        الصف الثاني عشر: يعتمد على نتائج الامتحانات الرسمية.

 

ثمة نتائج مترتبة على هذا القرار وهي:

          سوف يؤدي هذا القرار الى تراخي الطلاب وعدم اهتمامهم بالتحصيل العلمي خصوصا عند علمهم بأنه لن يتم ترسيبهم تحت أي ظرف من الظروف.

1.   سوف يحرم هذا القرار إدارات المدرس من استخدام المحفزات التي تساعد الطلاب على تحسين المستوى عندما يدرك الطلاب أنه ليس هناك من فرق بين الطلاب الذين يبذلون مجهودات كبيرة وبين أولئك الذين لا يهتمون بدراستهم.

 

2.     القرار يُؤثر سلبًا على مستوى التعليم في مدارس الأونروا من خلال ترفيع العديد من الطلبة ذوي التحصيل العلمي المتدنّي (الضّعيف) من صفٍّ إلى أعلى، فيزداد هذا الضّعف لديهم، وبشكل تراكميّ، حتى وصولهم إلى الفشل والرسوب في استحقاق الشهادة المتوسطة (البريفيه)، أو ربما قبل ذلك، خاصة في ظلّ ازدحام الصفوف بالأعداد الكبيرة للطلبة فيها.

 

3.  سوف يؤدي هذا القرار إلى زيادة نسبة الأمية وسط التلاميذ وتراجع نسبة النجاح والتفوق في الإمتحانات الرسمية بجميع مراحلها ومستوياتها.

 

 

 

إن التبريرات التي تقدمها وكالة الأونروا لا تستقيم أمام الحقائق العلمية والمعلومات المؤكدة عن سير العملية التعليمية برمتها.

رغم الإمكانات المالية المرصودة لقسم التعليم ورغم القرارات التي تتخذها وكالة الأونروا بهدف تحسين المستوى التعليمي كماً ونوعاً إلا أن ثمّة حقائق لا بد من معرفتها وهي:

·   تتعاون وكالة الأونروا مع مؤسسات دولية أخرى ومؤسسات المجتمع المدني لتوفير الدعم الدراسي لأولئك الذين يواجهون صعوبات تعلمية  خاصة الحلقة الأولى من التعليم الأساسي فقط  (من الصف الأول حتى الصف الثالث ابتدائي).

·   ثمّة سؤال يغيب عن وكالة الأونروا، وهو لماذا يرسب الطلاب أصلاً، ولماذا نضطر للجوء لسياسة الترفيع الآلي؟ ولماذا لا نعالج أسباب الرسوب؟ لماذا لم يتم أخذ الظروف الموضوعية التي يعيش فيها اللاجئون الفلسطينيون بعين الاعتبار؟

·   أخضعت الأونروا المدرسين لدورات تأهيلية متعددة وهذا يجب أن ينعكس إيجاباً على تحسين مستويات التحصيل العلمي وسط الطلاب الفلسطينيين في مدارس الأونروا، الأمر الذي لم يتحقق بالقدر الكافي.

·   إن اعتماد التجارب العالمية  في موضوع الترفيع الآلي (كندا، اليابان، ودول الاتحاد الأوروبي) لا يمكن إسقاطها على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين لأن ثمة أسباب ذاتية وأخرى موضوعية تحول دون ذلك.

·   صحيح أن ثمّة صعوبات مالية تواجه وكالة الأونروا بسبب ظروف متعددة، لكن ثمة مواطن خلل كثيرة أخرى لم تلتفت إليها وكالة الأونروا.

·         يرى خبراء أن السياسة التعليمية التي تتعبها وكالة الأونروا تعتمد على مبدأ التجربة والخطأ.  

يبرر المدير العام للأونروا  في لبنان السيد كلاوديو كوردوني سياسة الترفيع الآلي الجديدة من أجل تخفيض نسب الرسوب في مدارس الأونروا كخطوة لتخفيض نسبة التسرب المدرسي لأن ارتفاع نسبة الرسوب يؤدي إلى تسرب الطلاب الراسبين خارج المدارس، والسؤال العملي هل أن المدير العام بهذا الإجراء يهدف إلى تحسين جودة التعليم؟  أم أن هذا الإجراء هو إجراء ميكانيكي متجرد من كل الأبعاد الأخرى المرافقة له؟

 

نظام الــ EMIS: هل تبقى سلطة لإدارة المدارس على طلابها؟

في عام 2017  تم اعتماد نظام  EMIS في الأونروا وهو عبارة عن نظام يشمل كل المعلومات عن التلميذ وعن المدارس بكافة تفاصيلها وأصبح المعلم قادراً على ادخال علامات الطلاب على هذا النظام الجديد.

بعد ادخال العلامات من قبل المعلمين يقوم هذا النظام تلقائياً بتحديد أسماء الطلاب الذين يرسبون حسب النسبة المعتمدة ( جديداً)، ولا تستطيع إدارة المدرسة التحكم بنسبة الترسيب ولا بنوعية الطلاب الذين سيتم ترسيبهم.

أما بالنسبة للنظام الذي كان معتمد سابقاً فقد كانت المدرسة لها السلطة والقرار في زيادة نسبة الترسيب في كل صف حسب ما تراه وليس بالضرورة أن تتقيد بالنسب المحددة ( ما أمكن) وكان لإدارة المدرسة أن تختار من تريد ترسيبه من الطلاب الذين يستحقون ذلك على سبيل المثال: إذا كان هناك طالبين لم يحصلا على نسبة النجاح المطلوبة وأرادت أن تجعل أحد الطالبين ناجحاً حسب سياسة الترفيع الآلي كانت تختار الطالب ذا السلوك الحسن على الطالب ذا السلوك السيئ.

ويأتي هذا القرار ضمن سلسلة قرارات سابقة اتخذتها إدارة الأونروا خلال السنوات الأخيرة الماضية، منها ما يتعلق بزيادة عدد الطلبة في الصفوف، ومنها له علاقة بالمنهاج كإصدار كتب خاصة بالأونروا لمادتي اللغة العربية واللغة الإنكليزية، وفي هذه الكتب الحَشو الكثير الذي لا داعي له (خاصة في كتب اللغة العربية). هذا إضافة إلى تحويل تعلّم المواد العلمية (الرياضيات والعلوم) باللغة الإنكليزية بدلاً من اللغة العربية في الصف الرابع الإبتدائي وما دونه، وذلك ابتداءً من العام الدراسي القادم 2017-2018، مما يزيد هذه المواد صعوبة، ولا يخفى على أحد ضعف الطلبة في مادة اللغة الإنكليزية بشكل عام في مدارس الأنروا.

وهذه القرارات، وإن كان ظاهرها التطوير والتحسين في مدارس الأونروا، إلا أنها تُخْفِي في طيّاتها سياسة تجهيل مُمنهجة غير مباشرة لشريحة كبيرة من أبناء شعبنا، بحيث ظهر جليّاً في السنوات الأخيرة الماضية التراجع بمستوى التحصيل العلمي للطلبة بشكل عام، وتراجعت معها نسبة أعداد الطلبة المتميّزين والمُبدعين في مدارس الأونروا.

وكل ما سبق يجعل الكثير من المعلمين يُصابون بالإحباط ويشعرون بضياع جهودهم سُدىً مما ينعكس سلباً على عطائهم وإبداعاتهم داخل الغرفة الصفية.

الأونروا تتراجع جزئياً عن قرار الترفيع الآلي:

 بعد سلسلة من الاحتجاجات من فعاليات حقوقية ومدراء مدارس  وموجهين تربويين تراجعت الأونروا جزئياً عن سياسة الترفيع الآلي الحالية التي تم توزيعها في نهاية شهر أيار 2017 على إدارات المدارس وأصبحت على الشكل الآتي:

·        الصفوف: الأول والثاني: لا رسوب (مع استثناءات مبررة)

·        الصفوف والثالث والرابع والخامس والسادس: نسبة الرسوب يجب ألا تتعدى 7%.

·        الصفوف السابع: نسبة الرسوب يجب ألا تتعدى 8%.

·        الصف الثامن: نسبة الرسوب يجب ألا تتعدى 15%.

·        الصف التاسع: يعتمد على نتائج الامتحانات الرسمية.

·        الصف العاشر نسبة الرسوب يجب ألا تتعدى نسبة 15%.

·        الصف الحادي عشر: نسبة الرسوب يجب ألا تتعدى 7%.

·        الصف الثاني عشر: يعتمد على نتائج الامتحانات الرسمية.

 

 

 

 

لماذا تراجعت وكالة الأونروا؟ ولماذا لم تقم بدراسة الأمر بشكل عميق ودقيق قبل اتخاذ قرار سرعان ما تتراجع عنه؟ يرى خبراء أن هذه السياسة لا تنطلق من مصلحة الطلاب وتحسين جودة التعليم إنما انطلاقاً من تقييم الوضع المالي.  

ماذا تقصد وكالة الأونروا بجودة التعليم؟

1.     البنية التحتية للمدرسة (السلامة، والصحة، والتعديلات لدعم أصول التدريس الحديثة).

2.     الخدمات المتخصصة مثل احتياجات التربية الخاصة.

3.     معلمون مؤهلون ومهنيون فيما يتعلق بكليات العلوم التربوية.

4.     القيادة والثقافة والروح المدرسية.

5.     نموذج تدريس محوره الطالب.

أثيرت الحاجة للنظر في جميع إمكانيات التغيير، وكذلك الحاجة ليس للتركيز فقط على نواتج التعليم النوعي، ولكن أيضاً على كيفية تحقيق تلك النواتج.

1.     توفير بيانات شفافة حول الإنفاق لكل تلميذ.

2.     الوصول إلى المعايير الدولية حول وقت التدريس.

3.     تحسين دوام التلاميذ وتوقيته.

4.     زيادة فرص الحصول على الموارد الحالية.

5.     تيسير التحسين المستمر للمدرسة (مراجعة جودة المدرسة).

6.     زيادة بيانات المراقبة في مجالات رئيسية مثل مسوح الأهل، ومعدلات البقاء في التعليم، والاختبارات الموحدة، وامتحانات الحكومات المضيفة والبيانات الخام للاتجاهات الدولية في دراسة الرياضيات والعلوم.

7.     تنفيذ تقييم وتحليل متماسك عن تعلم الطلبة والبرامج وتعميم التجارب والحلول.

8.     خفض المحتوى الثقيل للمساقات الدراسية، وهو ما يتطلب الحوار مع البلدان المضيفة. [2]

توصيات:-

•        العودة عن قرار  class formation الجديد للعام 2017/2018 ووضع 50 طالبا في الغرفة الصفية.

•        التراجع عن قرار اتباع سياسة الترفيع الآلي وتخفيض نسبة الرسوب في جميع المراحل التعليمية.

•        الإقلاع نهائياً عن اتباع سياسة التجربة والخطأ في جميع البرامج والسياسات التعليمية التي تضعها ادارة الأونروا المركزية في عمان وتنفق عليها الأموال الكبيرة.



[1] القرار مرفق.

[2] استراتيجية اصلاح التعليم في الاونروا، 2011- 2015، انظر للرابط: https://www.unrwa.org/userfiles/file/AdCom_en/2011/31May2011/Education%20Reform%20Strategy%20-%20for%20distribution%20to%20Sub-Committee%20ARABIC.DOC