مخيم ضبية معاناة متوارية خلف النسيان

 

 

يعبّر واقع المخيمات والتجمعات الفلسطينية في لبنان عن حقيقة مؤلمة تتراكم فيها المعاناة على مدار عقود من الإهمال والتهميش تجعل حياة اللاجئين الفلسطينيين في حالة استنزاف دائم لبناهم الاجتماعية والاقتصادية.

وتكاد المخيمات والتجمعات تتشابه فيما بينها مع اختلاف نوعي في بعض الأمور ينحصر في مخيم دون سواه كما هو الحال مع مخيم الجليل في البقاع لجهة التدفئة في الشتاء. ويساهم المجتمع الدولي ممثلاً بالأونروا وكذلك الدولة اللبنانية مساهمة فاعلة في تراكم هذه المعاناة وزيادة هامش الحرمان.

ويختلف مخيم ضبية والذي يبعد حوالي 12 كلم شمال شرق العاصمة بيروت عن باقي المخيمات. أنشئ هذا المخيم في منتصف الخمسينيات لإيواء اللاجئين القادمين من شمال فلسطين ويغلب على سكان هذا المخيم الديانة المسيحية. وبحسب وكالة الأونروا يقطن فيه نحو 4 آلاف لاجئ فلسطيني[1]، يعيشون في ظل صعوبات اقتصادية شديدة، متمثلة بالبطالة المتفشية في أوساطهم[2].تعرض مخيم الضبية خلال الحرب اللبنانية الأهلية إلى الكثير من الدمار الذي تسبب بسقوط أكثر من 75 ضحية في العام 1976، وقد تكرر السيناريو ذاته في العام 1990 حيث تعرض ما يقارب نصف منازل المخيم للدمار مما أدى إلى تهجير أكثر من 100 عائلة مقيمة فيه.

وفي ما يلي أبرز المشاكل والتحديات التي يعاني منها المخيم:

أولا: بنية تحتية مهترئة يعاني منها المخيم حيث يعيش السكان في وحدات سكنية هي أقرب إلى الأكواخ منها إلى المنازل، فمعظمها أسقفها من صفائح الحديد (الزينكو) المتهالك، ويذكر أنّ الدولة اللبنانية تمنع سكان المخيم من استبدالها بأسقف من الباطون ولا تراعي الأصول الهندسية والصحية بما يخص الصرف الصحي، والحصول على الماء المطابق للمواصفات فضلاً عن الطرقات التي تحتاج إلى تعبيد وهنا لابد من الإشارة الى الدور المهم الذي تقوم به جمعية "مجمع الكنائس" داخل مخيم ضبية في تقديم خدمات إجتماعية مختلفة لسكان المخيم.

ثانيا: صعوبة تأمين الرعاية الصحية والأدوية المطلوبة، ونقص في الكادر الطبي حيث لا يقدم الهلال الأحمر الفلسطيني خدمات للمرضى.وتعمل مؤسسات الأونروا الصحية يومين في الأسبوع (الإثنين والخميس)، حيث يوجد في المخيم عيادة متنقلة تعمل بين المخيم وبين برج حمود وتفتقر إلى طبيب أسنان وأطفال وتعاين نحو 80 مريضاً أسبوعياً، مع العلم بأن الكثير من السكان يعانون من أمراض القلب والسكري والضغط وبعض حالات الفشل الكلوي، وهم بحاجة إلى رعاية صحية طوال مدة الأسبوع.

ثالثا: لا يوجد مدرسة أونروا في المخيم، والأونروا تقول بأن أعداد الطلاب أقل من العدد المطلوب وفق "الكود" الخاص بفتح المدارس مما يضطرهم لقصد المدارس الحكوميّة المجاورة، والتي كثيراً ما تتعاطى معهم بـ "عنصرية" حسب ما ورد على لسان أهالي بعض الطلاب لكونهم فلسطينيين وليس لهم مكاناً، وسط عجز عن قصد المدارس الخاصّة لتكاليفها الباهظة.

رابعا: بالرغم من انقطاع شبه دائم لمياه الدولة عن المخيم الا أن الدولة ما زالت تسعى إلى تحصيل الجباية بشكل دائم وفق التسعيرة الجديدة التي تشكل عبئاً على كاهل سكان المخيم الذين يعانون معظمهم من البطالة، وعلى الرغم من أنهم يعتمدون على شراء المياه من السوق (ستيرات ماء) لتأمين احتياجاتهم.

خامسا: نسبة كبيرة من سكان المخيم حصل على الجنسية اللبنانية، وبالتالي فهم واقعون بين فكي كماشة؛ فالدولة اللبنانية التي يحملون جنسيتها تعاملهم على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية ولا تشملهم التغطية بالنسب المعتادة لمختلف المواطنين، في نفس الوقت فإن وكالة الأونروا لا تعاملهم على أنهم لاجئيين فلسطينيين ولا تعطيهم ذات النسب التي تغطي فيها الاستشفاء لعموم اللاجئين، وبالتالي هم لا يستفيدون بالشكل المطلوب لا من الدولة اللبنانية ولا من الأونروا.

شهادات من المخيم:

وعن الوضع الاقتصادي في المخيّم، يقول أبو أنيس: "أهالي المخيّم يعانون الأمرّينلأنّ الوضع صعب على اللبناني قبل الفلسطيني، فكيف بالفلسطيني داخل المخيّم"..

في هذا الإطار يخبر اللاجئ سليم من سكان المخيم: "أننا نعيش أوضعاً صعبة، فإننا لا نسلم من برد الشتاء ولا من حر الصيف، فليس بإمكاني سوى الجلوس أمام منزلي، أملاً بمرور نسمة هواء تخفف عني وطأة الحر، بعيداً عن جحيم الحرارة داخل بيتي المغطى بالزينكو خاصة في ظل عدم الالتزام الواضح بجداول مُحددة لقطع التيار الكهربائي".

أما اللاجئة نزهة فتقول: "نتيجة لتدهور سعر الصرف العملة الوطنية مقابل الدولار الأمريكي فإن معظم عقود التغطية الصحية التي تؤمنها الدولة اللبنانية باتت عديمة الفائدة، فهي لا تغطي بشكل فعلي 10% من القيمة الحقيقية لفواتير الطبابة التي عادة ما يتم احتسابها وفق سعر صرف الدولار".

أم اللاجئ عماد أبو النصر فيقول "إن ترميم البيوت المتصدعة ممنوع على أهل المخيم، فضلاً عن بناء سقف من حجر، وذلك بقرار من أصحاب الأرض المستأجرة وتضييق من قبل الدولة اللبنانية وتقاعس من قبل الأونروا".

التوصيات:

بناءً على ما سبق، وانطلاقاً من المسؤولية المهنية والأخلاقية تجاه اللاجئين الفلسطنييين في لبنان لا سيما المخيمات الأكثر تهميشا، فإننا في المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) نطالب بما يلي:

1.ندعو وكالة الأونروا إلى وضع خطة إنمائية للمخيم تشمل ترميم وتأهيل المنازل وتطوير البنية التحتية وبناء مدرسة ابتدائية ومتوسطة على الأقل وتطوير عمل العيادة الصحية.

2.نطالب الدولة اللبنانية ووزارتها المعنية بتسهيل ترميم وتأهيل المنازل الغير صالحة للسكن.

3.ندعو المنظمات الدولية إلى دعم المستوصفات العاملة في المخيم بالمستلزمات الطبية اللازمة.

4.ندعو هيئة العمل الفلسطيني المشترك إلى تنظيم زيارة للمخيم وتقديم الدعم اللازم لسكان المخيم.

---------------------------------------------------------------------------------------

أعد هذا التقرير من خلال الاعتماد على البحث المكتبي وكذلك الميداني حيث أجريت مقابلات مع كل من: جمعيه مجمع الكنائس (الياس حبيب) 24\7\2023، اللجان الأهليه الخدماتيه (عماد عيسى) 24\7\2023، اللجان الأهليه (نزهه غطاس) 22\7\2023.

بيروت في 28/7/2023

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)