(شاهد): صافرات الإنذار تدوي في مخيم عين الحلوة ودعوة العقلاء لمنع الكارثة

(شاهد):

صافرات الإنذار تدوي في مخيم عين الحلوة

ودعوة العقلاء لمنع الكارثة

تقرير حقوقي يوثق جولة القتال الأخيرة في مخيم عين الحلوة

أيلول 2023

ملخص تنفيذي


تقديم:

يُعدّ مخيم عين الحلوة عاصمة الشتات الفلسطيني في لبنان، لما يتميز به من ميزات سياسية وسكانية وجغرافية. وقرعت الاشتباكات الدامية الأخيرة صافرات الإنذار بقوة، محذرة من سياسات قد تؤدي إلى تدمير المخيم، ووضع اللاجئين الفلسطينيين في مأزق وطني ووجودي كبير، في ظلّ ظروف سياسية واقتصادية صعبة يمرّ بها لبنان والمنطقة.

لذلك أصدرت المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) تقريراً يسلط الضوء، بموضوعية، على الأحداث المؤسفة التي مرّ بها المخيم، ويدعو في نفس الوقت العقلاء إلى البحث عن مخارج معقولة، من خلال مقاربة حقوقية، تحفظ الأمن فيه من جهة وتحافظ على حقوق السكان من جهة أخرى.

إن مخيم عين الحلوة هو واحد من أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ويحمل أهمية كبيرة من النواحي الاجتماعية والسياسية والإنسانية، ويُعدّ جزءاً من تاريخ اللاجئين الفلسطينيين. وأوجدت الكثافة السكانية العالية في المخيم، الذي أصبح عدد سكانه يقدر بنحو 70 ألف نسمة، يعيشون في كلم2 واحد، آثاراً اجتماعية سلبية، بالإضافة إلى معاناة سكان المخيم من الضغط الأمني، والنفسي، والاقتصادي... بالتزامن مع ضعف المرجعية السياسية والأمنية.

وولّد التعاطي الأمني للحكومات اللبنانية المتعاقبة مع اللاجئين الفلسطينيين في المخيم حالة غضب ويأس لديهم، إضافة إلى شعورهم كأنهم في موضع شبهة دائم، مما يسهم بزيادة المشاكل،ويوجد حالة من التوتر، وعدم الثقة والارتياح. وانعكس ملف المطلوبين بشكل خطير على المخيم؛ وثمة أسئلة تطرح عن كيفية دخول هؤلاء إلى المخيم، ولماذا يجد هؤلاء بعض الرعاية هناك؟ وما هي السبل لمعالجة هذا الموضوع بأقل التكاليف الممكنة؟

يوجد في عين الحلوة مختلف الفصائل الفلسطينية، ولمتابعة قضايا اللاجئين الفلسطينيين تمّ تشكيل إطار سياسي يدعى هيئة العمل الفلسطيني المشترك. كذلك تمّ تشكيل إطارين للجان الشعبية في المخيم، لمتابعة المشاكل الخدمية والمطلبية للاجئين الفلسطينيين في المخيم. ولمتابعة المشاكل الأمنية المتكررة، تمّ تشكيل قوة أمنية مشتركة في آذار/ مارس 2017، تضمّ 100 ضابط وعنصر.

الاشتباكات الأخيرة في مخيم عين الحلوة:

في 29/7/2023، ومن دون سابق إنذار، قام المدعو محمد زبيدات الملقب بـ"الصومالي" بإطلاق النار على ثلاثة أفراد مقربين من "جند الشام"، في أثناء مرورهم في حي الجميزة، مبرراً ذلك الفعل بالثأر لمقتل شقيقه محمود، خلال آذار/ مارس 2023، مما أدى إلى مقتل عبد الرحمن فرهود، وجرح عيسى جمال حمد ومحمود خليل الملقب بـ"أبو قتادة"، وإصابة ثلاثة من الأطفال صودف مرورهم من هناك. وتوتر الوضع الأمني في المخيم، وحصلت اشتباكات مسلحة محدودة في العديد من أحياء المخيم. ولتطويق تبعات هذا الحدث، قررت القوى الإسلامية دفن فرهود بعد عصر اليوم التالي، ومعالجة ذيول المشكلة بتسليم القاتل، إلا أن آل زبيدات أصروا على عدم تسليم ابنهم القاتل إلى القوة الأمنية المشتركة.

وفي ظلّ التوتر السائد، تمّ اغتيال قائد قوات الأمن الوطني في منطقة صيدا العميد أبو أشرف العرموشي، وأربعة من مرافقيه، في 30/7/2023، في أثناء توجهه إلى مكتبه في المخيم، بكمين مدبر مسبقاً. وانفجر الوضع الأمني بشكل عنيف بعد الحادث، وتسارعت الأمور بشكل دراماتيكي، حيث شهد اشتباكات استمرت حتى فجر الخميس 3/8/2023، استخدمت فيها أسلحة ثقيلة ورشاشات من مواقع الأمن الوطني في جبل الحليب والبراكسات باتجاه حي حطين والصفصاف والرأس الأحمر والطوارئ والتعمير.

الخسائر البشرية والمادية جراء هذه الاشتباكات:

بسبب شدة الاشتباكات اضطر معظم أهالي المخيم إلى ترك منازلهم والنزوح تحت وابل الرصاص والقذائف الثقيلة إلى المناطق المجاورة للمخيم، واضطرت الأونروا إلى فتح مدارسها في مدينة صيدا وفي مخيم المية ومية لاستقبال النازحين من المخيم.

وقام فريق (شاهد) بجولة تفقدية لمخيم عين الحلوة على مدى يومين متواصلين، التقى، خلالها، مع بعض الفصائل الفلسطينية، واللجان الشعبية وبعض من لجان الأحياء؛ حيث عبّر الجميع عن استيائهم من هذه الأحداث المتكررة، والتي فاقت التوقعات هذه المرة، نتيجة الاستخدام العشوائي للأسلحة الثقيلة وللصواريخ، مما دمر عدداً كبيراً من المنازل والمساجد والمباني.

ووثق تقرير (شاهد) الخسائر البشرية والمادية، عارضةً جدولاً يبين أسماء الجرحى، وآخر يبين أسماء القتلى، وأشار التقرير إلى مقتل 12 لاجئ، وسقوط 61 جريحاً، معظمهم من المدنيين. واستعرض التقرير أبرز الجمعيات والمؤسسات الطبية التي عملت في أثناء الاشتباكات والخدمات الطبية التي قدمتها.

وتبين المؤشرات الأولى التي عرضها التقرير بأن الخسائر المادية كبيرة جداً، لكن حتى الآن يصعب مسحها وإحصائها بشكل دقيق، نتيجة استمرار التوتر في المخيم، وإغلاق مناطق النزاع بالمظاهر العسكرية، إلا أنه بحسب التقديرات الأولية، فإن هناك تضرر لأكثر من 700 منزل ومحل تجاري بحالات متفاوتة بين تدمير كلي وجزئي، فضلاً عن تضرر البنى التحتية وممتلكات أخرى. وتشير تقديرات ميدانية إلى أن تكلفة إعادة إعمار ما دمرته الاشتباكات تقدر بنحو 30 مليون دولار أمريكي.

وذكرت (شاهد) أنه تمّ انتهاك المبادئ العرفية للقانون الدولي الإنساني خلال الاشتباكات؛ حيث تمّ استهداف الأعيان المدنية بشكل مباشر، مشددة على أن جهل المسلحين مبادئ القانون الدولي الإنساني، لا يعفيهم بأي حال من الأحوال من تحمل المسؤولية الجزائية عن أفعالهم.

الجهود السياسية اللبنانية والفلسطينية لحلّ الأزمة:

منذ اللحظات الأولى لتطور الأحداث في المخيم سارعت بعض الأحزاب اللبنانية والفصائل الفلسطينية لتطويق الأحداث، وإيقاف المشروع التدميري للمخيم، وتمّ عقد عدة لقاءات بمشاركة هيئة العمل الفلسطيني المشترك، ولجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، والأجهزة الأمنية اللبنانية، والنائب في البرلمان اللبناني الدكتور أسامة سعد، ومفتي صيدا الشيخ سليم سوسان، وممثلين عن حركة أمل، حيث تمّت إدانة عمليتي الاغتيال، والمطالبة برفع الغطاء عن مرتكبيهما، ووقف إطلاق النار، وتثبيته، وسحب المسلحين من الشوارع فوراً، والعمل على توفير المناخ الآمن لعودة كل النازحين. وأكد المجتمعون بأن ما يجري في مخيم عين الحلوة قد يكون مدخلاً لمشاريع خطيرة.

وقام رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بسلسلة من الاتصالات مع مختلف الجهات السياسية الفلسطينية واللبنانية، لاحتواء الأزمة، مطالباً بضرورة بذل المزيد من الجهود لوقف الاشتباكات في مخيم عين الحلوة، وتثبيته.

وبناء على الجهود التي بذلت، دخل، في 1/8/2023، إلى مخيم عين الحلوة، وفد من هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان. وشكلت هيئة العمل لجنة ميدانية لتنفيذ وقف إطلاق النار، وكلفت لجنة التحقيق المعينة المباشرة الفورية بعملها، للكشف عن المتورطين في ارتكاب الجريمة لتقديمهم للجهات الأمنية والقضائية اللبنانية، وإنجاز مهمتها بأسرع وقت ممكن، ورفع تقريرها لهيئة العمل الفلسطيني المشترك. وبعد جهود قدمت اللجنة خلاصة نتائج التحقيق حول حادثتي الاغتيال، حيث قدمت أسماء ثمانية أشخاص مشتبه بهم. وتوقفت الأمور عند هذا المستوى حيث لم تصل هيئة العمل لآلية تسليم المشتبه بهم إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية. وعليه بقي الاحتقان الأمني على حاله، وما زالت المظاهر المسلحة من تدشيم وتموضع على ما هي عليه.

وأوصى تقرير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) بما يلي:

· عدم اللجوء إلى العنف في فضّ النزاعات والاحتكام إلى لغة الحوار، والحفاظ على المخيم وسكانه كهوية وطنية للوجود الفلسطيني في لبنان.

· سحب جميع المسلحين من الشوارع والأزقة، وإزالة كل المظاهر المسلحة من متاريس، ودشم، وعوائق، وغيرها.

· وقف عملية التسابق في التسليح والتدشيم، وفتح الأحياء المغلقة تسهيلاً لعودة سكانها.

· عدم اللجوء إلى العنف في فضّ النزاعات والاحتكام إلى لغة الحوار.

· الانسحاب السريع من مجمع المدارس التابع للأونروا، كي تتمكن من إعادة تأهيله لاستقبال العام الدراسي الجديد.

· العمل على مسح الأضرار التي أصابت المنازل والمحال التجارية والسيارات، وسرعة إعادة إعمارها قبل حلول فصل الخريف وتعويض أصحابها عن خسائرهم.

· العمل على تسهيل عودة النازحين إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن، وإعادة الحياة الطبيعية إلى المخيم.

· مضاعفة الأونروا لجهودها في سبيل توفير التمويل لإعادة إعمار ما تهدم من منازل ومدارس وغيرها.

· بقاء هيئة العمل الفلسطيني المشترك في حال انعقاد دائم لتنفيذ بنود وقف إطلاق النار وإزالة كل الذرائع المسببة للتوتر، ومعالجة ملف المشتبه بهم بارتكاب عمليات الاغتيال بحكمة ومسؤولية.

لقراءة التقرير كاملاً

المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد)

2/9/2023